صدقوني إذا قلت لكم إنه مجرد حلم لا أكثر .. لكنه وقع بالفعل وسأقص عليكم نبأ هذا الحلم بالرغم من أنه وقع بكامل أحداثه وأنا مفتوح العينين، وهذه عادة سيئة في الفقراء أمثالي... بالنوم مفتوح الأعين .. اهتزاز ودبيب توجس خالجني حين تحركت النجفة الهزيلة التي ابتعتها من الحراج بثمانية وخمسين ريالاً فقط ــ علقتها في سقف غرفتي التي تتكون منها داري. ارتجفت النجفة أكثر ففزعت، ومع الحركة سمعت تنهدات عظيمة وبكاء. تحرك السقف من مكانه. تحرك فبدأت لألئ نجفتي الوحيدة تتأرجح وباتت على وشك الوقوع ... صرخت ربي .. أهذا زلزال ... حملت كرسياً وأنزلت نجفتي المسكينة ووضعتها جانباً، فانفرج مكانها مرسوماً على هيئة فم مكتنز الشفاه. قال مستعطفاً:لا تجزع ! وأنا شديد الأسف لكنني مللت من موضعي هذا، أريد أن أهبط معكم، أريد أن أكون موطئا .. أرضية دار .. لا أريد أن أبقى مكاناً مرتفعا لتدفق الضوء فقط ولتعليق الزينات والمزركشات . أرغب في أن أكون سفحاً لا قمة .. بودي أن أمسح الرداءة برمش عيني وأن أبكي الغناء الذي اتخمني " أتمنى أن أشنق الزمن على راحتي وأحاسبه وأنا أنفض الغبار الوقتي الفصلي عن وجهي ..آه" قطع حديثه وراح يئن ببكاء لا يحرقك لكنه بكاء سألته: بالله عليك يا سقف ((لا تبك فعيناك لم تخلقا للبكاء إنها البحر والبر والمتاهة والرجاء، فما الذي مللته ومنك الظل وبسببك الدفء وفيك تعلق الأضواء وفيك تسبح الأعين اليقظة وتحلم بما ليس بمقدور الأساطير سرده ... الساعة تدق على مرأى منك والشمس تتسلل خيوطها من جنباتك وفي عمقك تنام زخارف المولعين بالفتوحات التي لم تتم ومن قبلك يتدلى الحلم. بلعت ريقي وتابعت، ومع هذا تدعي المرارة وأنت سيد الأربعة تلك التي تحملك أبد الدهر دون انتظار لشيء .. صرخ مقاطعاً:- كفى كفى مللت من أن أكون سقفاً فقط مللت مللت أريد أن أكون أرض الغرفة، أريد لن أكون الموطئ، أحلم بالاستماع الى الكلمات التي تخرج من القلب الى القلب، بالمقابل أحب أن أتألم كلما احتكت الأبواب بجسدي وأن أصرخ كلما تشظى الزجاج وشق وجهي .. أرجوك أرجوك إنها لحظة غالية تلك التي أتخلى فيها عن أن أكون سقفاً.- لكن هذا (السقف) سيكلفني غالياً .. سأضطر لهدم الغرفة من جديد يا سقف وأنا فقير...- أرجوك .. أريد أن أنزل من موقعي كسقف .- لا بأس ولكن لتعلم بأنني سأتعب قلبي في البحث لك عن اسم لأن من عادتنا في هذه البقعة من الأرض أن نسمي سقوفنا ولكن كما تشاء. وبدأت الهدم والبناء، في النهاية نادينه: عبد ربه .. يا عبد ربه، ناديته بعد أن تم له ما أراد، بدأت أعيد ترتيب الأشياء على ظهر عبد ربه، أسرة النوم .. منامات الأطفال، - البسط البالية، الأواني، كل شيء إلا النجفة العزيزة فقط علقتها في الأرضية التي أصبحت سقفاً...وتم كل شيء بسلام وفي فراشي وقبل أن أستلقي تماماً تنحنح عبد ربه سألته ماذا بك تململ صوته وقال: أنهر ابنك إنه يفعل فعلته الآن....- وماذا في ذلك.لاحظوا كل ذلك وقع وأنا مفتوح العينين.. حيث بدأنا نأكل على جسد عبد ربه ونشرب ونستحم ونبصق وتكوم أشياؤنا القديمة على ظهره وننسى .. نقيس ثيابنا الجديدة ونقذف بأسمالنا البالية.. وعلى ذراع عبد ربه يقف جارنا السادس يحمل لعبة الضومن بعيداً ويطوح بنعله عالياً في الهواء... وعبد ربه هذه المرة لم يسكت صرخ.ما هذا؟ صحت به.- ما هذا أنت؟ناديت على أولاد حارتنا، لعبنا على رائحة الطعام بالون.... وورق وصرخنا فرحاً ... وتألمنا ضحكاً... مارسنا أفعالنا الكئيبة رصدنا أحزاننا تمنى أحمد خمسين ريالاً ليحرق بها شفتيه... وصاح (سعيد) آه يا رمانة المستحيل..يا زوجتي لتي لم تأت . ورفعت أنا البيارق التي صنعتها من أثواب أطفالي وغرزتها على سقفي يوماً وسلمتها ((لجابر)) ليكتب عليها نزواته ... ركض أطفالي خلف طائرة الورق ووقع أحدهم،سال دمه وغطى وجه وظهر وكتفي عبد ربه صرخ عبد ربه:- هذا قرف .اندفعت الريح شؤماً دمرت نوافذ غرفتنا أزْ الباب وصفْق مرات عديدة.... كسرت الريح قارورة الدواء الوحيدة.... حذرني "صالح" وهو يرفع أطراف ثوبه ويهرب من وجه الحاضر....- للسقوف غضبهاحذرني أيضاً.. ألا نكثر أنا وزوجتي للوم والشكوىعاودت تذمرها لكزتها ــ لكنها اندفعت كبرد الشتاء تجتر نفس الأحاديث عن جارتنا التي تريد سلفه وبعضاً من ذرة صفراء ... عن "وضحى" وقدمها الحافي وطرحتها الزرقاء... عنها حينما بكت وهي ترجوني- أريد لؤلؤة تنام على صدري قرصتها في فخذها فسكنت... وضعت فمي على أذنها – صه تحت نافذتنا مشنوق. وخلف الأكمة "عمران" الراعي يبحث عن جلد مفقود. وصفقت على النافذة ناديت....- "عمران" يا عمران هل وجدت الجلد ... جاء صوته منقطعاً. وضاعت إجابته في الهواء...عدت الى زوجتي الباكية قلت لها قفي قرب النافذة... تعلمي فن المراقبة ومن بعيد سترين أضواء عظيمة تنتبذ لها أمكنة لا تكاد ترى.. تحتفل فيها بخدرها... بعمرها المملوء بالتمثيل بكت زوجتي ... ناحت.ولطمت...حملتها على كتفي وأنا أقسم لها بحبي وأجتهد من أجل أن أفهمها أن الحب فقط هو حرفتي. تهدج صوت عبد ربه وسمعته يقول .. كيف هذا .. السقف يرى ويسمع فكيف إذا كان موطئا فقط !!أزعجتني تعليقاته صحت به اصمت يا عبد ربه اصمت !! لقد تعودن السقوف صامتة دائما !!لم يعرني عبد ربه أهمية قال بصوت متهدج... يحدث كل هذا في غرفة فقط !! واكتشف أنني مجرد سقف لا أعرف شيئاً.. لكن فيما يبدو أن كل ما يحدث يتبدد في فضاء الغرف قبل لن يصلني.. أتصفق ظلف النافذة... لم نعد نسمع نحيب الريح... اختنق صدري وفركت عيني وحاولت إغماضها لكن الريح والحلم والسقف لا زالوا يجثمون على أجفاني عادت الريح ومع الريح تجمع صبية الحارة لعبوا الكرة وأصابوا نجفتي فتهشمت على جسد عبد ربه.- صاح: "الزجاج خناجر" أحضرنا المكانس ــ صاح: "شعر المكانس.. لدغ عقارب" انتحب وبدأ ينوح. وكلما ازداد صراخه تزعزعت الغرفة، تحركت بشكل أقوى فانقلب السرير الذي اعتليه صرخت وصرخ عبد ربه احتدم عراك عنيف صامت، أنا أعيد السرير إلى مكانه وعبد ربه يقلبه، أخيراً تعبت ومن بين نبضات قلبي قلت ــ لنتفق.- على ماذا !! فقط أريدك أن تعيدني سقفاً كما كنت صحت به: "هذا لا يجوز".- بل ستفعل. وتحت تهديده الخفي هدمت من أعلى، بينما الجدران الأربعة لا تزال واقفة على حالها. وعاد كل شيء كما كان، زوجتي كانت واجمة عبد ربه من أعلى يزمجر ــ أقسم أقسم سأنهدم عليكم، صرخت الجيران والأطفال، ترك عمران الراعي البحث وصاح معنا صالح من الغيب، سألناه ألا يفعل سألناه: ما ذنبنا هذه حياتنا الصغيرة فماذا كنت تظن يا سقف زمجر مرة أخرى سأنهدم على رؤوسكم أقسم سأنهدم واحد اثنان ثلاثة.
الخميس، 29 أبريل 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق