الخميس، 29 أبريل 2010

أحمد الدويحي : «وجهة البوصلة» .. عالم الرواية سيرة ذاتية تتفتح على أن الحرية إنسان

أحمد الدويحي : «وجهة البوصلة» .. عالم الرواية سيرة ذاتية تتفتح على أن الحرية إنسان ..
لا بد من الاعتراف على طريقة المبدعة نورة الغامدي .. بكل شيء .. التدمير إلى حافة الموت .. أولى اعترافاتي .. إني أجلت قراءة هذا النص مع شوقي له واحتفائي به، كنص سردي روائي ونسائي محلي له خصوصيته .. وحينما حانت اللحظة، قرأته كأوراق متناثرة، ومصورة من نص الرواية الأصلي. اقترف هذا الآثم أحد الأصدقاء، فأضافت لي تلك الحالة من القراءة، متعة تمثلت في كتابة النص، ومكابدة التفاصيل الصغيرة والفراشات الليلية، مدلهات ما بين المزرعة والقصر الكبير ... وتأتي اعترافاتي ، وبصوت محايد جدا. أقول تابعت من قبل نصوصاً لنورة، ورأيت فيها المضيء يلمع كنصل في نهاية جنوب الوادي العظيم، ولم تكن رغبة القراءة لنصها لهذا السبب وحده، فهي «رقم» في سلسلة قراءة المنتج الروائي، واستقصاء جذره وخطابه ولغته وزمانه ومكانه وشخوصه. نأمل أن يكون ذلك هم «جماعة السرد» في غياب النقد المنتظر.. وتطول اعترافاتي .. وأسئلتي حول رواية المبدعة نورة الغامدي «وجهة البوصلة»، وأدب نسائي !!! كثيرات اللاتي مارسن الكتابة، وأخضعهن الزواج لطقوسه، وربما كانت الكتابة «كرت» الزواج والموت معاً. استغفر الله وأنا أقرأ بداية «وجه البوصلة»، لهذا الظن السخيف. وقد تجاهلت الإهداء للزوج والأولاد في بداية التقديم .. وآخر ذلك الظن تلك البداية، والتصميم اللذان أبقيت عليهما حتى قراءة نهاية الأسطر الأخيرة من الرواية دون أن أتناول القلم، وأخط بين سطورها بكلمات في الهامش، تعبر عن ذلك الاستفزاز، وتلك المتعة المدهشة في تنقل الحدث بين الشخصيات المبهمة فربما لو فعلت لخرجت بنص مشترك مع نورة استنطقته مع ذلك المس الشفاف الذي تحاصر به شخوص رواياتها وتعري الأشياء بجرأة، أشك وأنا الرجل بما لدي من تراكم ذكوري، وذاكرة تكبرها قليلاً في مجاراتها بذلك البوح، وتلك الشفافية المجروحة الجارحة. نقاط مشتركة ومحطات ومواطئ أقدام وحصون دبقة بالخوف. فجرتها ذاكرة رددت معها أكثر من مرة: «فظيعة .. فظيعة..» كلما مضيت بين سطورها أصم أذني عن كلام حول الرواية لها وعليها الى النهاية. هناك في التخوم حيث «تلويحة» نورة المنتظرة في عمق الوادي العظيم. أريد أن أنتقم بهذه البداية، لما فاتني تسجيله، كردة فعل في أثناء قراءة الرواية. ويستحيل العودة إليه «تمرداً»، ولذا فقد أسقطت في البداية من ذاكرتي البناء الروائي والتكنيك الآن، دون أن أنسى أن أي رواية حقيقية لا بد أن يتوافر لها حدث وحكاية، وهذا بالضرورة سنجده في نص «جهة البوصلة»، لكنه يأتي بطريقة مختلفة جدا، مما تعودنا أن نجده في الروايات والأعمال السردية، فهذه الرواية تدور حول ذاتها ثم تتطاير تفاصيل وقضايا أخرى، لا تبرز بشكل كاف، لعدم تركيز الكاتبة عليها، ولذا سأكتب رؤيتي من تلك التفاصيل الصغيرة المعاشة، وشوشات الرواية ورفضها اليومي الممتع، وذلك التكريس للحدث من أكثر من زاوية، تتساقط كأنها حبات المطر حتى تكاثرت، وصارت بحيرة تنظر بوادر حد السكين الجنوبي «في ذيل عروس البحر .. وإذا لا بد من تحديد أطر نقف عليها، ونحن نتفتح الفرجار الى الزاوية اللانهاية، أقصد نفسي وقد باشرت خوض المعركة من وجهة نظري، لقراءة سيرة السيّر الذاتية لعائلة «أرستقراطية»، فتأتي أهمية توظف هذا «الرمز»، بداية بالجد العظيم «السبتي» الذي أسرفت الكاتبة التعريف به، وسبب خياره الوادي العظيم، لتشكل صورة أولى لخطابها الروائي، ومنه تستمد طاقتها الإبداعية، بما فيه من تداعيات وتراكم، وكما بنى ذلك الجد أسطورته المالية، «ثالث أثرياء الجنوب»؟!، تبني نوره أسطورتها الروائية من شخوص هذا الثراء، وأوجاع السنين وتخوض صراع ومواجهة كوارث هذا الإرث العظيم، صراع على محاور ثلاثة: «الروح والجسد والمال»، المحاور الداخلية في بوصلة نورة الغامدي، وهي تفلح في إضافة ضفيرة، تطرز بها خطابها الروائي في ذلك «الرمز» الأول، لعائلة واحدة ذات مشارب وألوان وأعراق وأصول متعددة، التقت في هذا البيت «السبتي». هل قالت لنا نورة أن صفته «السبتي» نسبة الى «الرأسمالية»، كأحد الأسواق المسماة في الجنوب «الخميس الأحد السبت ..الخ» دون يوم الجمعة، الدلالة ليست واضحة أحياناً فتصر نورة أن تكرر الحدث لنفهم، وربما كانت تتسلى وتفرغ المكبوت، والمسكوت عنه بهذه الجرأة الفظيعة. قد أقف في وجهها وأنا الرجل الجنوبي وفي وجهي هذا المشهد. ترسمه الكاتبة في مساريب الوادي والمزرعة، ودهاليس قيم وحجج ورأسمالية القصر الكبير. لكن يشهد الله انني كنت أستمتع بهذا الوخز المدمي المعبر عن قلب مدمٍ لم ينس لحظة انه صوت نسائي مختلف جداً، فجاءت النغمة الحديثة «هاتف» المكررة في خطاب الرواية .. «« بداخلي هتاف صغير .. صباح الخير يا وطني . صباح الخير يا قلبي . غناء بسيط قلب الأحداث.. كما في السابق بكاء عنيف غير اتجاه البوصلة»» ص 14 مزجت الكاتبة الدم العائلي بحبر الكتابة، إذ تضيف الى شخوص العائلة الذين بهم تجسد الكاتبة خطابها، وتشكل عالمها في هذا الكون الواسع الممتد بفراده إن رجلين جاء الأول من جنوب الجنوب عبداً «حبشياً» له ما له وعليه ما عليه في تاريخ هذا الوسط العائلي قائداً لحرث الأرض وسجلاً تاريخياً لعائلة توارثت المال والنساء والسلطة، ليبقى عم «جبر» رمزاً للهيكل كما تحكي الأساطير، ومواجهة الآتي من الشمال «ثامر» قلب المحراب الفلسطيني، جديلة صغيرة أخرى من محاور خطاب الرواية، أفقدها تركيز الخطاب بأحادية أولى على أنها رواية سيرة ذاتية لقصة عشق فاضحة، السيرة الذاتية الساردة وقوتها الخطابية في خطاب النص العام المتمرد،لم يترك مساحة كافية لحوار تلك الشخصيتين في أفقها الروائي ، بعيداً عن السيرة الذاتية للعائلة ككل .. وهنا .. لا بد من مداخلة خارج النص، فالتوظيف الأسطوري في هذه الجزئية، ملمح يبرز في كثير من الروايات المحلية المعاصرة، وتختلف طريقة ورؤية تناوله من زوايا مختلفة، وحسبما توافر لروائي بمخزون ذاكرته ومحيطه البيئي وثقافته ووعيه وحسه وتكوينه.. ولست أدري إذا كان لدى أحد من كتاب الرواية ونقادها تفسير لهذا الملمح، بالذات صديقي الأستاذ ابراهيم الناصر الحميدان، فالرجل تسلمت منه من قبل الشروع في قراءة نص المبدعة الأستاذة نورة الغامدي .. «حيطان للريح» وهو نص روائي يمثل هذه الرؤية لكاتبة «جهة البوصلة»، وبين يدي «المكتوب مرة أخرى» في جزأيه الثاني والثالث، ومضنية مطاردة بلقيس، بطلة نصي المنتظرة، وكأنها رحلة حج سليمان عليه السلام، وملكتي بلقيس بعيدة، فإذا مت قبل نهاية المكتوب، سيكفني الله الجواب ..! وقبل أي إجابة غير منتظرة، ورحلتي مع لغة «جهة البوصلة»، وسيرة السير والشخوص والمدن، ونكهة الكتابة والفضاء النسائي في عالم الرواية بسمته الخصوصية، كوعاء إنساني يتفتح في الكون على أن الحرية إنسان، والحضور الطاغي للراحل عبدالعزيز مشري في نص نورة الغامدي، فقد هتفت في دجى ليل الوادي العظيم .. ورفعت صوتها عالياً .. هتفت للقلب .. وهتفت للوطن .. فليس لدي غير إعادة طرح السؤال كما هو في هذه الجزئية حول الوجود والزمان والسرد، والفلسفة التأويلية من السرد الى التاريخية عند بول ريكور : «نفي الوقائع لدى بودريار لم يقتصر على نفي تاريخ الفلسفة الغربية، بل امتد ليشمل واقعة أخرى تمسنا مباشرة، وأعني بها حرب الخليج. ففي تاريخ 4/12/1990م نشر هذا المفكر «التفكيكي» مقالة في صحيفة ليبراسيون بعنوان: «حرب الخليج لن تقع» جادل فيها «بأن الحرب لا يمكن أن تنشب لأن فزعنا من واقعة الحرب الحديثة دفعنا الى خلق عامل تزييف عملاق، أو حرب كلمات وعلامات تخاض يومياً على شاشات التلفزة ووسائل الإعلام». وبعد أن وقعت الحرب، واكتنفت بلاغة الرعب شعوب المنطقة بأسرها «كتب بودريار بتاريخ 29/3/1991م مقالته الثانية التي حملت عنوان: حرب الخليج لم تقع». لم تكن الدبابات وطائرات الشبح، وتكنولوجيا الدمار وتشتيت شعوب المنطقة وتغيير خرائطها سوى حيلة من حيل الخطاب الإعلامي المزيف في رأي بودريار، وما يعنينا نحن سكان الجنوب، كائنات هذا الخطاب الإعلامي العملاق، أنه يقتلنا مرتين، وبذلك يتحول التفكيك، الذي هو استراتيجيا فضح المركزية الغربية، الى مركزية خطاب جديد للغرب تحت قناع إعلامي زائف، يبشر بحضور عامل تزييف عملاق. إذن كان ريكور يعلم إمكان أن يتحول الخطاب الى أداة قتل جديدة للموتى، وقد أشار هو نفسه في ندوة هذا الكتاب الى هذا الإمكان، وحذر منه. فكيف ستحمي الانطولوجيا نفسها لديه من هذا الحبس الانفرادي في سجن الخطاب؟». خطان أو ضفيرتان تعنينا في نصص «جهة البوصلة»، تطرز بهما عالم الرواية هما «القلب .. والوطن، في نسيج روائي بديع، تتبعتهما في خطاب الرواية، ربما كانت خافية في الفضاء الشمولي، يصل الى «النغمة» العالية، الصوت الأنثوي «المتمرد» والسنة المدببة في الواقع، ورأس قلم الكاتبة في عين الرجل .. ماذا نفعل يا «نورة»؟ ، وقد سرقت منا الأحلام، لنبقى أسرى للحلم الأسطوري «علامة» آخر، ما بين الرومانسي والواقعي ...؟! رواية وجهة البوصلة نورة الغامدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق