اشكالية الصورة القديمة للرجل في الرواية السعودية
21/02/2009
ثمة الكثير من الاسئلة حول التاريخ الثقافي الذي اقترن بالحديث الاشكالي عن موضوعات الجسد والمرأة والحرية في السرديات الروائية العربية، اذ حملت هذه السرديات هاجس الكشف عن المسكوت عنه في تاريخ العلاقة بين الرجل والمرأة، وعن طبيعة ما تحمله نظرة المرأة للرجل في مجتمع ابوي له تقاليده واعرافه، اذ ستكون هذه الاسئلة مقدمة لقراءة العديد من التباسات هذه العلاقة، فضلا عن الكشف القصدي عن اسانيدها في العديد من الملفات الاجتماعية والثقافية، وخاصة ما يتعلق بالمنظور الذي بدأت ترهص به مؤخرا انماط من الكتابات السردية النسوية، تلك الكتابات الضاجة برعب المهيمنات والتابوهات। واحسب ان هذه الكتابة النسوية بكل جرأتها واغترابها وطبيعة اسئلتها الساخنة تعدّ واحدة من ابرز السرديات التي خرقت المألوف، واثارت في هذا السياق اسئلة من نوع اخر، اسئلة تلامس ماهو سري وماهو مسكوت عنه، اسئلة تستغرق الجسد، اسئلة المكان، اسئلة تتلمس جوهر لحرية، اسئلة العلاقة الملتبسة الغامضة للجسد والجنس والحرية وخصوصية العوالم الجوانية للرجل والمرأة، وقدرة المرأة على ارتكاب لعبة البوح اوالتعبير عن هذا اشتباكات هذا العالم السري بكل شراهة مخياله السردي، والاعلان عن نفسها داخل فضاءاته الثقافية والحسية والتعبيرية في مجتمع له خصوصياته ومهيمناته واعرافه المغلقة؟ وهل يمكن للكتابة السردية التي تكتبها المرأة، ان تقترح هوية اخرى لبطولة هذه المرأة في المجتمع وفي نظرتها للرجل او في سياق علاقتها معه؟ هذه الاسئلة وجدتها في كتاب( صورة الرجل في الرواية النسائية السعودية) للكاتبة السعودية نوره القحطاني والذي سمعت عنه كثيرا وحاولت بكل الجهد ان احظى بقراءته، اذ بدت تلك الاسئلة الاكثر الحاحا في الاثارة والبحث وتلمس هواجس المرأة ازاء الرجل البطل، والرجل السلطة والقانون والمهيمن، عبر استقراء عوالم سردية بطلتها المرأة ذاتها। تضمن الكتاب مجموعة من الدراسات الاكاديمية للعديد من اعمال الروائيات زينب حفني وليلى الجهني وامل شطا ونورة الغامدي وسلوى دمنهوري وغيرهن، اذ انطلقت الباحثة من فكرة البحث في سرائر عوالم المرأة النفسية والاجتماعية وما تضمنته من اسئلة ومواقف، تلك التي تشكلت عبر وعيها الاشكالي بالمكان/ البيئة بكل تداعيته وآثاره ومحرماته، فضلا عن المكان النفسي الذي يتشكل عبر التباسات وعيها السري في اطار اقتراح ما تكتبه كبنية سردية ازاء بنيتها الاجتماعية المغلقة، حيث تبدو السردية وكأنها محاولة في اصطناع كتابة مواجهة تسودها نزعة الدفاع عن الذاتوية، مثلما تتمظهر فيها قوة الذات الحافظة لنوعها، هذه الكتابة تشيء بوعي استثنائي ازاء شكل المهيمنات الابوية والنمطية النافذة. ورغم وجود بعض الهنات الاسلوبية في الصياغات الفنية في هذه الرواية او تلك، الاّ ان ما نلمسه يؤشر خرقا للكثير من الاستعارات الاجتماعية والمهيمنات الضاغطة، مثلما يؤشر خصوصية الوعي الفاعل المكتشف، وطبيعة ما تحمله هذه او الظاهرة من مؤشر عن ارهاصات اجتماعية داخل بنية المجتمع المغلق. هذه النزعة الصراعية الخبيئة والساكنة والمتلجلجة التي كشفت عنها الكاتبة، والتي كثيرا ما توسم به تلك الروايات وانماط كتابتها البسيطة والانفعالية وحتى المتميزة في جرأتها في تلمس المسكوت عنه، وفي تقنية كتابتها، خاصة ما يتعلق بالايقاع البطيْ و(الخطابية) كم تقول عنها المؤلفة، والميل الى التورية والرمزية، فضلا عن ما يشوبها من العديد من الالتباسات الفنية والتعبيرية، تلك التي لم تحرر من عقدة الذات المرآوية، وعقدة الرجل/الاب، والرجل/ الزوج، والعقدة العميقة الاخرى للرجل الغائب/الحبيب بكل استحضاره الرغبوي والذي يبدو شاحبا في اغلب الروايات المختارة، حيث تمثل هذه العقد مهيمنات ضاغطة، كثيرا ما تنعكس على نمطية الكتابة، وما يمكن ان تكرسه من صور تقليدية لحياة المرأة في المجتمع السعودي بعلاقاته العمومية وانماطه ذات المرجعيات الابوية السائدة.لقد كانت الصورة التي التقطتها الباحثة للرجل في الكتابة النسائية غامضة وربما سيئة الى حد ما، اذ هذه ان الصورة مستلة من السياق الاجتماعي وليس من السياق الثقافي، ومن اجل ان تضع هذه الصورة في اطارها المنهجي عمدت الى اعادة قراءة مفهوم الصورة عبر التاريخ، وكان هذه القراءة تمنح بحثها عمقا علميا . رغم ان الضرورة النقدية تقتضتي احيانا التوافر على سياق قرائي يستند في كشوفاته وتأسيساته على اساس دراسة البنيات السردية على انها جزء من الهويات السردية، وان تاريخ الحكي الروائي، تاريخ الكائن، وتاريخ المكان يمكنهما ان يكونا صورة من صورة تشكيل الهوية السردية كما يقول بول ريكور.ان تحديد الاطار الزمني لبحثها عبر ثلاث عشرة سنة(1990-2003) تمثل رصدا لمجموعة من العوامل الاجتماعية/الثقافية التي عاشتها المرأة السعودية ازاء تحولات عميقة بدأت تتشكل داخل المجتمع السعودي اسوة بمجموعة من المتغيرات الكونية والاقليمية والعربية داخل الفضاء الخليجي، خاصة بعد مرحلة تحرير الكويت وما خلقته من هزات اجتماعية معقدةعلى منظومة العلاقات الاجتماعية الثقافية السياسية داخل الفضاء الخليجي.فكيف هي صورة الرجل عند المرأة في الرواية السعودية ما بعد التسعينات؟ وهل استطاعت الباحثة ان تقدم تصورا موضوعيا عن هذه الصورة؟ وهل ان النمط الضاغط لشكل العلاقات الاجتماعية/الابوية في المجتمع فرض سياقه بالاتجاه الذي يجعل صورة الرجل مشوهة وغير واضحة؟ وهل ان الباحثة قاربت تهويمات المخيلة الشعبية، تلك التي جعلت الرجل قاسيا وشاذا؟ وهل انها اعتمدت منظورا علميا يسند منهجيتها البحثية ووفق ما قدمته لنا الدراسات العلمية في علوم النفس والاناسة والاجتماع؟ان تأمل العلاقة الاشكالية بين الرجل والمرأة داخل فضاءات العلاقات الاجتماعية الحادة والمغلقة والخاضعة لمهيمنات عرفية ومفاهيمية، يعني ان هذه العلاقة تكشف عن مستويين تقليديين هما ظاهر وسري، لكنهما في الاساس محمولان لاشكالات معقدة في النظر الى تاريخ العلاقة والى كل التباساتها المعيقة في النص والاثر والفقه والتأويل والمهيمن، اذ يبدو المستوى الظاهر محكوما بمعطيات القانون الاجتماعي العام، بينما يظل المستوى السري هو الاكثر توليدا والاكثر توهجا، والاكثر استدعاء للقراءة العميقة الكاشفة، لانها الاقرب الى تلمس ماهو جوهري وماهو قريب من روح المرأة في خوفها وقلقها وشهواتها المضمرة. واعتقد ان الروايات الجديدة في الادب السعودي قد قدمت لنا نموذجا اكثر جرأة وتصريحا في التعاطي مع مشكلات الوجود والحرية والجسد، وازمة العلاقة مع الرجل.ازاء هذا نجد الباحثة قد ادركت خطورة مغامرتها، لذا هي لم تتجاوز في قراءاتها اليات البحث التقليدي في مقاربة هذه العلاقة الاشكالية، وطبيعة الصورة الشاحبة للرجل في النص النسائي، اذ يبدو الرجل في نصوصها المقروءة رغم كل تاريخ رعبه وسطوته وحضوره كعلامة للقوة واللذة، هو جزء من صورة الاب القديم صانع القسوة، وصانع الشقاء، وصانع الرغبة، وان المرأة لم تكتب الاّ نص احتجاجها السري المتخيل على هذا الرجل، وكأنها فعلا تستبطن موقفا قصديا ازاء الرجل باعتباره رمزا للذكورة القامعة، مقابل رمزية الانوثة المضطهدة. وهذا بطبيعة الحال يجعل البحث ينحو باتجاه رسم صورة سلبية عن رمزية الرجل في ذكورته، مستندا الى مجموعة من الروايات التي تعمد الى تكريس هذا الاتجاه.ان السعي الى تأصيل هكذا كتابات وتسليط الضوء على مغامرتها واسئلتها يكتسب اهميته وضرورته، كونه يمثل توجها في اصطناع خطوط اكثر فاعلية للوعي الاجتماعي، مثلما تمثل جزءا من توجه علمي اكاديمي هو جزء من رسالة علمية اكاديمية(رسالة ماجستير) انطلقت من فضاء جامعة الملك عبد العزيز في جدة، بكل ما تعنيه هذه المؤسسة من بيئة ذات خصوصيات ومرجعيات ثقافية واجتماعية، وكونه ايضا يتعاطى مع موضوع حساس وحيوي، وبما يؤشر حراكا ثقافيا وبحثيا بدأ يتأسس داخل المشهد الثقافي والاكاديمي السعودي والخليجي بشكل عام. ورغم المنحى الذي اعتمدته الباحثة والية قراءتها النقدية للنصوص الروائية، الاّ انها ترسم لنا صورة نستبشر بها خيرا نحو كتابات ترهص بما هو مستقبلي، خاصة مع ظهورمجموعة من التطورات الواضحة التي بدأت تتجلى في خارطة السرديات السعودية والخليجية، ومنها ما نلمسه في الرواية السعودية
علي الفوازشاعر وناقد من العراق ali_fwaaz@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق