الخميس، 29 أبريل 2010

هواجس

لم تكن أمل تملك قطعاً من الحلوى لجميع أطفال هذا العالم اليتامى.. كانت تتراقص بداخلها أحلام.. أن تملك ذات يوم نقوداً تكفي لبناء منزل على رابية نقية بهواء بلادها وتجمع حولها كل يتامى هذا العالم.. ما كانت أمل تمنطق الأحلام أو تضع خططاً لجدوى بناء دار أيتام كما يراه العالم من حولها، بل يغلبها قلبها للتمعن في حلم بناء هذه الدار لتجتمع فيها بعشرة أطفال لا بل عشرين طفلاً، وقد يتجاوز الحلم خمسين طفلاً. في أول يوم تجتمع فيه أمل برفيقاتها في العمل تسمع بقصة رهف حين جلدت جلد الإبل، لم تعلق على الموضوع، لكن رفيقاتها في العمل افتقدنها عدة أيام، عادت بعدها كأن الغياب ما كان إلا نزهة.. في المنزل على طاولة الغداء تحدثت ابنتها عن شروق طالبة في الصف السادس الابتدائي، شروق طالبة مهملة ترفض حل واجباتها ولا تحضر حتى كراسات للمادة، شروق طفلة عنيدة ترفض الانصياع لأمر معلماتها ولا تستجيب، وقبيل الاختبارات قالت لها معلمتها: لنصعد معاً إلى مكتب المديرة، تحركت شروق باتجاه الباب واستدارت كأنها قشة في مهب الريح، وتعلقت بصدر معلمتها وأجهشت ببكاء يروع القلوب، فزعت المعلمة وراحت تحاول فك يدي الطالبة التي طوقتها دون جدوى، بل ازدادت شروق تعلقاً بصدر المعلمة التي راحت تضمها وتبكي معها، كانت أمل على طاولة الغداء تستمع لحكاية شروق، بلعت ريقها بصعوبة وضاق تنفسها، وسألت بإلحاح عن شروق، كانت شروق تبكي وتتعلق بصدر المعلمة وتردد عبارة واحدة: (مشاكل يا أستاذة مشاكل، بيتنا مشاكل وما عندي أبو يجيب لي دفتر أحل فيه الواجب) اسودت الدنيا في عيون أمل وبكت من أجل شروق وما زالت تشرق بدمعها وحلمها بياضاً يأتي من بعيد ببناء بيت صغير تلعب فيه مع خلود ورهف وعبدالإله، الذي يتوسد يده في آخر الصف الدراسي يبكي دون أن يشعر به أحد، كيف وصل خبر عبدالإله إلى مسامع أمل في الليل وهي تحادث صغيرها الذي يبلغ الثانية عشرة من العمر، والذي قاطعها قائلاً: (سأموت معك يا ماما إذا متِ)، قالت أمل: نام، قال زميلي عبدالإله يبكي كل يوم والده ووالدته توفيا في الصيف الماضي ومعظم الطلبة يقومون بضربه ولا أستطيع الدفاع عنه وحيداً. عبدالإله يبكي كل يوم ويضرب كل يوم في معقل تربوي في مدرسته وشروق تبكي بحرقة الثكالى خوفاً من عقاب المديرة وتجوع وتحزن في مدرستها، ورهف بصدفة خارقة يكتشف تعذيبها، وحمد وهنوف وعشرات الأطفال يعانون في مدارسنا ونحن في غياب تام، وأمل لا تستطيع أن تبني بيتاً يستوعب كل الأطفال المحرومين، وإن فعلت فهل ستجد قلوباً تحتوي دموع أولئك الأطفال أم مجرد موظفين وموظفات لا يختلفون عن مديرة ومدير شروق وعبدالإله وحمد الذي ترك المدرسة وأصبح (شريطياً في سوق الغنم)، ونوف التي أجبرتها زوجة أبيها على أن ترفض الذهاب إلى المدرسة، وحين سألها والدها قالت حسب ما لقنتها زوجة أبيها: أنا ما أفهم وأكره المدرسة ولم يناقش الأب وضع ابنته التي أصبحت خادمة في مطبخ أبيها، وسارة ذات العامين التي ماتت في فراشها ولم يعلم بها أحد إلا بعد يوم وليلة. أمل لا تملك غير البكاء والحلم ببيت صغير يضمها مع يتامى العالم، لكن حلم أمل أكبر من الحقيقة.. أمل حين تجهد من الحلم وتحب العمل تمرض وتمرض وتغيب ويسجل غيابها في السجلات الرسمية ولا أحد لا أحد يهدي أمل بسمة أمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق